رجل يطالع الجريدة في انهماك، وامرأته تتابع ما تبثه
القنوات الفضائية في نهم، بينهما طاولة مشتركة عامرة بالمسليات والمشهيات، الايادى
تمتد في صمت، يتناولان ما تيسر حتى يمر سحاب الوقت الذي يجمعهما، ربما تصدم
الايادى بدون قصد، ويعاود السكون للمشهد الذي يتكرر كل يوم بنفس التفاصيل، ونفس
الحركات والتعابير والمبررات.
اعتقد إن هذه ما تسمى "الخرس الزوجي" أول
الملل كما يطلق عليه البعض. الصمت هو إطار كبي مثل الثقب الأسود اى بصيص ضوء من
الذكريات والحوارات المشتركة، لا ترك مجالا لتبادل وجهات النظر أو إنتاج إشكال مختلفة
من التواصل، فقط يحل الصمت وكل طرف يلوذ به وبنفسه، يقبع داخل قوقعته مكتفيا بان الأمور
بالبيت تسير على ما يرام، فالأولاد يذهبون إلى مدارسهم والطعام في مواعيده حتى
عندما يمرض احدهم يذهب تلقائيا للطبيب المعالج، تفاصيل الحياة اليومية بسير
بروتينية وآلية منتظمة مثل آلة الطعام التي تظهر بفيلم شارلي شابلن "الأزمنة
الحديثة " إلى إن تتعطل. هكذا هي أيضا الحياة الزوجية تتوقف عند استجلاب
مباهج جديدة أو أساليب مختلفة لتغيير النمط الروتيني، كل طرف يلقى بالثقل على
الآخر منتظرا على حافة عالمة أن يأتية هو، بمحاولات ومراوغات لطرد ذلك الشبح
المسمى "الخرس الزوجي" والذي يعتبر طلاقا عاطفيا يشيع الجدب العاطفي
بقوة بين جنبات البيت ويتحول البيت إلى مجرد مكان للنوم والبيات أو تناول الطعام الساخن،
مع الاطمئنان التام إلى أن الجديد لن يأتي أبدا، فلقد تسربت العادة إلى النظر
للوجوه والملامح وتوقع التصرفات وردود الأفعال، واختفت الدهشة وعنصر المفاجأة الذي
يجعل القلب ينبض فوق المعتاد ويخفق بقوة.
قد يصيب فيروس الخرس الزوجي الزوجين بعد سنوات قليلة من الزواج،
وذلك على حسب المتغيرات التي تحيط بهما.. فهناك من يشكو منه بعد سنة وآخرون يعتقدون
أن "العشرة الطويلة" والتي تزيد على السنوات العشر كفيلة بتدمير أي جديد،
وأن التعود والعادة هما سمتان متلازمتان قد يخفف وطأهما حسن المعاملة والاحترام المتبادل،
لكن تحت السطح هناك بركان وفوران خبيث ينذر بلا جدوى الحياة الزوجية، مما يدفع
الرجل أحيانا لتجديد عش الزوجية بشريك آخر يستوعبه ويتفهم حاجاتة النفسية والبيولوجية،
على عكس المرآة التي تفنى عمرها في خدمة أولادها وتتشاغل عن اهتمامات الزوج الذي
يرى نفسه وقد تراجعت مكانته ليصبح رقم اثنين أ ثلاثة وربما بآخر القائمة.
يساهم كل طرف فذلك الطلاق العاطفي، عندما تنشغل المرآة
بأولادها فقط وتظن أن الرجل سوف يتفهم انشغالها ويلتمس لها الأعذار، فهي ترى من
وجهة نظرها أنها تسدى له معروفاً حتى يستطيع التركيز في عمله، والفعل لايجد الرجل
غير الانهماك في عمله، لتعويض النقص في الاهتمام والرعاية التي حرم منها.
ومع انعدام الهوايات المشتركة تصبح مساحة التقارب شبه
منعدمة ويتجلى هذا في الجمل القليلة التي يتبادلها الزوجان في الصباح وهما
يتبادلان تحية الصباح في اقتضاب وبملامح باهتة من المودة والألفة، وفى المساء يدير
كل طرف للآخر ظهره، معتبرا أن ما يحدث من سكون هو أفضل ما يمكن، مادام الأمر يخلو
من شجار ونقار وتشاحن !
وللتغلب على ذلك الخرس الكريه يجب على الطرفين أن يكون
لديهما استعداد حقيقي للتواصل والتحاور من جديد، مع الالتزام بفتح صفحة جديدة
خالية من اللوم والحنق، وإنما يكون هناك بعض عتاب رقيق يغلب عليه "العشم
والمحبة" لتفادى تلك المرحلة الخطيرة والتي تنذر بطلاق مادي يهدد العائلة
الآمنة المستقرة. والرجل العربي دائما ينتظر أن تبدأ أن تبدأ امرأته بمصالحتة
وتدليله (كما كانت تفعل أمه تماما )، فالزوجة تحب أن تدرك أنها ليست مجرد امرأة في
حياة رجلها، وإنما يريدها بوجوه وملامح مختلفة، فهو يريدها أن تحبه وتدلله مثل أمه
وتتحمل سخافاته وطيش ونزق أحلامه مثل أخته الكبيرة، وأن تكون صبورة ومتعقلة مثل
زميلته بالعمل، ولا مانع من أن تكون مثقفة في دراسة أحوال الرجل والعمل على تحسين
مزاجه العام.
بالنسبة للمرآة يجب إن تتخلى قليلا عن شعاراتها المعلنة
وغير المعلنة لي أن حياتها قد توقفت عند مرحة إنجاب الأولاد، وأن متع الحياة ليست
من حقها مادامت تربى أجيالاً، فهي مدرة أن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.
أيضا أن تبتكر المرآة طلة جديدة من وقت لآخر تهتم في بهنداما
ومظهرها وروحها، حتى تستطيع أن تمنحها رومانسية يحلم بها ويتوق لمعايشتها من جديد
كل فترة.
العلاج يبدأ دائما بتوصف الداء وتحليل ظواهره للوصول إلى
حلول جذرية للمشكلة، وهذا لن يتأتى إلا بالمصارحة والحوار والتسامح والقدرة على
العطاء المتبادل.. تخيل نفسك وقد دعوت زوجتك إلى العشاء خارج البيت لتثبت لها شوقا
جارفا، وبالطبع هذا لن يؤتى أكله وثماره إلا بتخلي الزوجة عن هموم البيت والأولاد،
التي تحملها بقلبها أينما ذهبت أو ارتحلت.